الفلك والطب لحنان في مقطوعة موسيقية واحدة

لنبدأ بتعريف بسيط لعلم الفلك. فهو علم قديم مُختص بدراسة الأجرام السماوية والظواهر التي تحدث خارج مجال الغلاف الجوي لكوكب الأرض. كما أنه العلم المعني بدراسة التطور الفيزيائي والكيميائي لحركة تلك الأجرام السماوية، من مجرات ونجوم وسديم وكواكب وكويبات وأقمار، وصولاً للمُذنبات والشهب.

ونظريات علم الفلك تكاد تقارب أعداد النجوم ذاتها، منذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا. أما علم الطب فتعريفه قد يكون أكثر شيوعاً لمعظمنا، وهو العلم المعني بتشخيص الأمراض بأنواعها المختلفة وكل ما قد يصيب الإنسان من إعتلال في صحته البدنية والنفسية، ومن ثمَّ إيجاد العلاج المناسب أملاً في الشفاء.

والآن، لنستعرض أحد الروابط الهامة التي تجمع ما بين هذان العلمان اللذان لا غنى عنهما لبقاء البشرية. فإذا عُدنا لعلم الفلك، فسنجد أن إختراع المِرصَد أو التليسكوب يعود إلى عام 1609 حيث قام العالم جاليليو جاليلي بصناعة أول مرصد فلكي بنفسه.

فكان جاليليو بذلك، أول من تمكن من مشاهدة تضاريس القمر بمرصده، كما توصل لدراسة أربعة أقمار من التابعين لكوكب المشترى. في المقابل، فلنعُد بالزمن قليلاً في علم الطب، ولنتعرف على تاريخ أول مجهر أو ميكروسكوب.

وقد نندهش إذا علمنا أن بداية علم المجهريات قد تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، عندما التقط أحد البشر البدائيين قطعة من البلور الصخري، أو ربما جزء من الزجاج البركاني، ولاحظ أن تلك الأشياء تجعله يراقب ما حوله عبرها، بشكل ووضوح أكبر.

ومنذ ذاك الحين، والإنسان يحاول أن يُطور من قدرته على رؤية الأشياء بشكل أفضل. حتى كانت نهاية القرن السادس عشر من الميلاد، وتحديداً عام 1590 حدثت أول طفرة علمية في هذا المجال، حين تمكن بعض صناع العدسات الألمان أن يركبوا مجموعة عدسات في أنبوب، بترتيب ونظام معين، ليصنعوا بذلك أول مجهر مُركب عرفه البشر.

وجدير بالذكر أن كثير من المصادر تُرجع هذا الفضل لإثنين من صناع العدسات وهما: هانز لبيرشي وزكريا جانسن. وبعد أن استعرضنا لمحة سريعة عن تاريخ المرصد والمجهر، فسنجد أن كلاهما يقومان بذات الدور تقريباً.

فالمرصد أو التلسكوب يسمح لعلماء الفلك برصد الأجرام السماوية المُفرطة البُعد والتي قد تفصلنا عنها آلاف السنين الضوئية، بهدف التعمق في فهمها والوصول لكيفية وآلية عمل الكون، مما يُتيح لنا إيجاد الحلول لبعض المشكلات التي قد تواجه كوكبنا الأم، كوكب الأرض. وكذلك المجهر أو الميكروسكوب، فهو يُتيح للأطباء الفرصة لمشاهدة ومراقبة كل ما لا يُرى بالعين المُجردة من فيروسات وكائنات مُتناهية الصِغَر، مما يمنحهم وسيلة لفهم تلك الألغاز وإيجاد الحلول والعلاج والدواء اللازم لها، بما يعود على البشرية كافة بالنفع والإستمرارية.

كما أنه وبالتأمل في كِلا العلمين المُفعمين بالتفاصيل اللانهائية، فقد نتسائل مجرد سؤال فلسفيّ المذاق.

ألا يمكن أن تكون المجرات المعقدة المُتشابكة والمُتحركة بنظام لا يختل، ما هي إلا صورة أخرى لكيفية عمل خلايا أجسادنا وأعصابنا المُفرطة التعقيد؟! فسبحان خالق كل شيء، وسنظل نبحث ونكتشف المعاني والأسرار ما دامت الأرض ومن عليها.

ونختم حديثنا بفكرة أن التناغم بين العلوم المختلفة ليس جديداً، وكما سبق واستهللنا، فالمرصد والمجهر الرامزين لعلم الفلك وعلم الطب كلاهما لحنان يعزفان في أفق المعرفة البشرية، وسيستمران بتطور لا مُتناهي في إنتاج مقطوعة موسيقية عنوانها: التطور العلمي.

By/ Mona Mahmoud Younes

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *