الظواهر التي لم تُفسر في الطبيعة ما زالت بعدد النجوم. واحدة من تلك الظواهر هي ظاهرة غريبة تتعلق بالمرضى الذين أجريت لهم عمليات زراعة قلب.
في الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، أثارت بعض الحالات انتباه ودهشة الأطباء. فبعد زراعة القلب لبعض المرضى، تغيرت بعض الأمور الجذرية العميقة في شخصياتهم، بل واكتسبوا بعض طباع أصحاب القلوب الأصلية.
قد يكون من المُتعارف عليه أن عملية زراعة القلب هي مجرد عملية نقل قلب سليم من شخص قد فارق الحياة إلى صدر شخص آخر مريض قلبه مُعتل، كي يتمكن من مواصلة حياته.
لكن هناك بعض القصص المُتداولة في هذا الموضوع، أولها حكاية رجل مُسن كان يُعاني من انسداد في شرايين القلب، مما جعل الأطباء يتخذون القرار بإجراء عملية زراعة قلب له. كان القلب الجديد لشاب في العشرين من عمره، وقد نجحت العملية وخرج الرجل المُسن من المستشفى، ليجد نفسه قد بدأ يختبر تغيرات غريبة ومحورية في مزاجه وتفاصيل حياته، مما لم يعتد من قبل.
فقد أصبح جريئاً ممتلئاً بالحياة، يرتدي الملابس المواكبة للموضة، ويقضي لياليه راقصاً على أنغام الموسيقى العصرية، ويبدو في كل تصرفاته كمراهق شاب. قد يخطر بالبال أن ذلك قد يعني أن زراعة القلب تُعيد الشباب لصاحبها مرة أخرى، لكن الحقيقة أن حالة ذلك الرجل المُسن قد تكررت كثيراً في أمثلة لحالات أخرى. نذكر منها حالة لامرأة تُدعى كلير، كانت في 47 من عمرها، وقد تم زراعة قلب لها، منقول من متبرع شاب في 18 من عمره، بعد أن لقى مصرعه في حادث دراجة نارية.
فتم أخذ قلبه ورئتيه وزراعتهم لكلير. كان أول تعليق لها بعد نجاح العملية، أنها قد أحست بأن ضربات قلبها الجديد أصبحت مختلفة عن قلبها القديم. لاحقاً، صارت تشتهي بعض الأطعمة والمشروبات التي لم تستصغها يوماً. فصارت تستمتع بتناول الوجبات السريعة واحتساء البيرة، بل وصار لها شغف بالدراجات النارية. بالإضافة إلى أنها باتت تحلم باستمرار بشاب يُدعى تيم. وكانت تشعر بأنها ستبقى معه للأبد. القوانين في ذاك الشأن، لا تسمح للمستشفيات بإطلاع المريض عن أي معلومة بخصوص هوية المتبرع أو عائلته. وكل من توصل لتلك المعلومات، قد قام بذلك بجهود فردية. وكان ذلك ما فعلته كلير. فبعد بحث طويل، عثرت كلير على هوية المتبرع. وعرفت أن كل ما صارت تميل إليه وتحبه، هو من صفاته وطباعه، كما عرفت أنه كان يُدعى تيم! هناك المئات من الحالات الموثقة مثل كلير. كما يؤكد الكاتب باول تومسون،
أن هناك أكثر من 70 حالة موثقة مُشابهة. توجد حالات لبعض المرضى ممن توصلوا لهوية وأهالي المتبرع الذي وهبهم قلبه، فأحسوا بمشاعر حقيقية تجاههم، فأحب رجل أرملة المتبرع له بالقلب.
وآخر كان مؤمناً زُرع له قلب رجل منتحر، فبدأ إيمانه يتغير حتى صار ملحداً، وقد أخذ ذلك القلب يؤرق حياته حتى لم يعد يحتمل وانتحر هو الآخر. ومثال آخر لتلك التغيرات، امرأة كانت نباتية لا تقرب اللحوم، وبعد عملية زراعة القلب، صارت تشتهي اللحوم وتأكلها بنهم، وكل تلك الحالات حين توصلوا لهوية المتبرع وعائلته، فوجئوا بتفسير كل تلك التغيرات في شخصياتهم وسلوكهم. كل تلك الشواهد قد تشير إلى أن التفكير والذكريات والإدراك قد يكون محلها القلب وليس الدماغ كما قد يشير إليه المنطق. وبعد كل تلك الحالات والدراسات، بدأ العلماء في التراجع عن فكرة كون القلب مجرد عضلة أو مضخة لضخ الدماء عبر الجسد، حين لاحظوا استقلال عمل القلب عن عمل الدماغ في تلك الحالات.
فقد بدأ الأطباء بملاحظة أن القلب قد يكون هو المُحرك الرئيسي للدماغ، بل أن كل خلية من القلب لها ذاكرة منفصلة. لا توجد حتى هذه اللحظة إجابة مؤكدة بشأن المسئول الأول عن كوننا من نكون. أهو العقل القابع في دماغنا، أم هو القلب الساكن في صدورنا؟ ورغم كل ما سبق، فلم يثبت علمياً وجود خلايا ذاكرة في عضلة القلب، وأن كل تلك الحكايات والغرائب التي غيرت حياة أصحابها بعد عمليات زراعة القلب،
ما هي إلا محض صُدفة. ومع ذلك، هناك دراسة وبحث جاد في مسألة أن المريض المُتلقي يرث ال DNA من قلب المتبرع. وستكون تلك الأبحاث بين الأطباء النفسيين وأطباء القلب، بالإضافة إلى العلماء المتخصصين في أبحاث DNA .
توجد بعض الحالات الغير مُفسرة كذلك، لأولئك المرضى الذين أجروا عملية تركيب قلب صناعي مُجاور للقلب الحقيقي المُعتل. فقد إدعى أحد المرضى، بأن هناك مضخة صغيرة تتحرك قُرب معدته. وقد كانت تلك نبضات قلبه الثاني.
فقد تم زرع تلك المضخة الآلية لتخفيف الجهد الذي تقوم به عضلات قلبه الضعيفة للغاية. لكن المريض كان يشعر بعدم الراحة. وبعد لقائه بأحد علماء المخ والأعصاب، أكد له الأخير بأن الأمر قد يتجاوز مجرد إحساسه بعدم الارتياح والغرابة،
بل قد يصل إلى أنه قد يفكر ويتصرف بل ويشعر بطريقة مختلفة، نتيجة وجود ذلك القلب الصناعي في صدره، بل وقد تتغير درجة تأثره بالأمور، وكذلك نسبة تعاطفه البشري المُعتاد! هناك آلاف التكهنات بشأن القلب ودوره الحقيقي في الإدراك،
والذي قد يفوق العقل. فهل قلب المرء هو دليله حقاً؟
وإن تغير ذلك القلب، فهل ستختلف معه رؤيتنا للحياة، وتتحرك بوصلة وعينا نحو آفاق جديدة، ويتغير معه كوننا من نكون؟! جدير بالذكر، أن المصريين القدماء أثناء عملية التحنيط، كانوا يُراعون ترك القلب في الصدر، وإزالة أحشاء العقل من الرأس. فهل علموا بتلك الحقيقة قبل آلاف السنين؟!
أسئلة كثيرة وغموض، قد تُجيبنا عنه أبحاث مُستقبلية في هذا الشأن.
By/ Mona Mahmoud Younes
اترك تعليقاً